في إطار الجهود الإماراتية الرامية إلى تعزيز الاستدامة، وتحقيق التنمية الشاملة، والاهتمام الدائم الذي يوليه لها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تقدم الدولة رؤية عالمية لسياسة الاستدامة تهدف إلى ترسيخ قيمة البحث العلمي في الحياة، وتعميق نتائجه في تعزيز السياسات التنموية، وتعظيم أثره في نهضة وتقدم وبناء الدولة، ومؤسساتها، واقتصادها بقطاعاته ومجالاته المختلفة، إذ تؤكد الرؤية الثاقبة لسموه توجه القيادة الرشيدة، والحكومة ومؤسساتها، إلى إنتاج معرفة مستدامة يمكن بها فَهْم العالم، والتوجه نحو العالمية، ونشرها وتطبيقها بما يحقق نقلة نوعية في التكامل بين البحث العلمي، وسياسات التنمية في المجتمع.
ولو ألقينا نظرة على الجهود الدؤوبة التي تبذلها دولة الإمارات في إنتاج معرفة مستدامة، لاتضح لنا أن الأمر ليس تحدياً عاديّاً، بل هو تحدٍّ متشعب يتطلب استراتيجيات شاملة تساعد على استثمار إمكانات البحث العلمي بالشكل الذي يضمن الاستدامة في المعرفة والتأثير المجتمعي في خدمة الدولة والإنسانية جمعاء، ما يؤكد الحاجة إلى نقل البحث العلمي إلى مرحلة التطبيق العملي، ولا يتأتى هذا إلا بتبني سياسات عديدة من أهمها مساهمة جامعات الدولة في تحقيق هذا التكامل الفعَّال، وتعزيز النشاط البحثي، ويمكن لهذا أن يحدث عن طريق الربط بين البحوث التطبيقية في الجامعات، وإحداث التنمية الشاملة التي تعكس التكامل المتوقَّع بين قطاع البحوث والدراسات العليا في الجامعات والمشروعات التنموية في المجتمع، ومن ثمَّ التوجه نحو الانفتاح المعرفي، والمشاركة الجيدة مع الجامعات المختلفة، والتطلع نحو إنتاج المعرفة، ونشرها، وتطبيقها بما يحقق التنمية المستدامة.
ولا تقتصر المناداة بأهمية البحث العلمي، في مساره التطبيقي، على الجامعات والمؤسسات البحثية الحكومية، فالأمر مرهون بوعي مجتمعي شامل لا بُد فيه من مساهمة القطاع الخاص، الذي يؤدي دوراً فاعلاً في تبني المشروعات التنموية البحثية، وتشجيع الشباب على المشاركة في حل المشكلات، ما يساعد على بناء جيل يتسم بالوعي والمسؤولية، ومن الأمثلة المشرِّفة في القطاع الخاص الداعم لمجال البحث التطبيقي «صندوق الوطن» الذي يضطلع بدور كبير في تعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة، عن طريق دعم الأفكار البحثية الخلاقة للباحثين الإماراتيين، التي تحسِّن المعرفة العلمية في الدولة والعالم بأسره.
ولا شك أن الإنتاج المعرفي المستدام، الناتج من أنشطة البحث العلمي، يرمي إلى تحسين الظروف المعيشية وتنمية المجتمعات، إذ تسهم هذه الأنشطة في تقدُّم الإنتاج المعرفي سريعاً، بحيث يصبح في الإمكان استثماره، وتوجيه مخرجاته نحو تحقيق أفكار جديدة، والسعي إلى ترجمته في مشروعات حاضنة لتنمية مستدامة تستثمر مخرجاته لتوليد سياسات رشيدة تدعم التنمية، وتوجه مساراتها نحو الغايات المرجوة.
*أكاديمية في قسم علم الاجتماع بجامعة الشارقة ورئيس قسم العلاقات المجتمعية للبحث العلمي.